البلطجة: الهوية الجديدة لإسرائيل في الأفق

صورة إسرائيل في العالم لم تعد تتجلى في شركات التكنولوجيا المتقدمة أو المؤسسات الأكاديمية والثقافية، بل أصبحت تتجسد في سلوك المستوطنين وأحزاب اليمين المتطرف الذين يستعرضون قوتهم عبر البلطجة والعنف بدعم واضح من النخبة الحاكمة. بهذه الكلمات بدأت الكاتبة الإسرائيلية كسينيا سفتلوفا مقال رأي نشرته صحيفة “زمن إسرائيل”، حيث أشارت إلى مقطع فيديو حديث من الضفة الغربية يظهر مجموعة من الفتيان المستوطنين يقفون أمام سيدة فلسطينية في قرية المغيّر قرب رام الله، وهم يهددونها ويحاولون إخافتها، حيث صرخ أحدهم “اسكتي” باللغة العربية، بينما نهق آخر بالعبرية قائلاً “إلى الوراء”. ترى الكاتبة أن المعاني المتجسدة في عيون هؤلاء الفتيان تعكس نواياهم السيئة، إذ كانوا يسعون لبث الرعب في قلب امرأة ظلت متمسكة برفضها للخضوع للخوف.

على الرغم من أن المقطع لم يُظهر عنفاً جسدياً مباشراً، إلا أن الكاتبة وصفته بأنه أكثر إزعاجاً من صور الحرق والنهب والاعتداءات، وحتى الجرائم القاتلة التي نفذها المستوطنون ضد الفلسطينيين في الأشهر الأخيرة. فالمشهد يعبر بشكل بسيط وعميق عن التحول الخطير الذي يجعل من إسرائيل تُنظر إلى العالم على أنها دولة غارقة في الجنون، مُغلفة بخطاب الكراهية، وتفقد السيطرة على مواطنيها، كما توضح سفتلوفا. وتؤكد الكاتبة أن من يعتقد أن إنجازات التكنولوجيا الإسرائيلية ومعاهد البحث مثل معهد وايزمان، أو الفرق الموسيقية الشهيرة، هي ما تشكل انطباعات العالم عن إسرائيل، يجب أن يدرك الحقيقة المُرة.

المشهد الذي يتعمق في الوعي الدولي اليوم ليس مختبراً مثيراً للاهتمام أو حفلاً موسيقياً، بل هي وجوه الفتيان المستوطنين الذين يصرخون على فلسطينية في قريتها، ويتصرفون كما لو كانوا أصحاب الأرض. لذا، فإن هذا هو “بطاقة الهوية” الجديدة التي تقدمها إسرائيل للعالم. ولا توجد دعاية قادرة على إزالة هذا الواقع، لأن الأمر لم يعد يتلخص في سوء إدارة إعلامية، بل هو نتيجة مباشرة لخيارات سياسية واجتماعية، أصبح من خلالاها العنف وسيلة معلنة لبسط السيطرة على الفلسطينيين.

تشير الكاتبة إلى أن تصرفات هؤلاء الفتيان ليست مجرد حوادث عابرة، بل تتماشى مع توجهات تصدر عن وزراء في الحكومة، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذين لا يكتفون فقط بالتغاضي عن الجرائم ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، بل يشجعونها ويعبرون عنها في خطاباتهم السياسية.

واليوم تُعرض مشاهد حرق مزارع الزيتون الفلسطينية وعرقلة وصول قوافل الإغاثة الإنسانية إلى غزة أمام الكاميرات بكل وقاحة، في حين يتحدث قادة اليمين المتطرف علناً عن “الانتقام” و”إبادة العماليق”، وهو خطاب يروج له مسؤولون رسميون في الدولة. وتضيف الكاتبة أن هذه الممارسات لم تعد تهدد الفلسطينيين فحسب، بل تهدد سمعة إسرائيل ومكانتها الدولية، بعدما صورت نفسها كدولة حديثة ومتقدمة، لكنها اليوم تتواجد في صورة دولة تعصف بها الكراهية والعنف، يقودها وزراء يتبنون مواقف متطرفة دينية وقومية.

وبالتالي، أصبح جزء من النخبة السياسية يرى في العنف اللغة الوحيدة المطلوبة للحفاظ على السيطرة، مما يجعل من “البلطجة” سياسة دولة جديدة بدلًا من أن تكون مجرد تصرفات فردية.

البلطجة كرمز جديد لإسرائيل

في ضوء ما سبق، نجد أن موضوع البلطجة كرمز جديد لإسرائيل يعكس تحولاً عميقاً في الثقافة السياسية والاجتماعية داخل الدولة، يجب أن نتابع عواقبه في الساحة الدولية والمحلية.

استبدال الصورة التقليدية

إن هذه التحولات تتطلب إعادة تقييم شامل للسياسات القائمة والدعوات للتحرك نحو تحقيق السلام ووقف العنف بأساليبه المتعددة. تعكس الوقائع المتداولة ضرورة تطوير خطاب جديد يستند إلى التسامح والحوار، بعيداً عن العنف والتطرف.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *